في عالم العقارات الواسع حيث الأبراج الشاهقة تتنافس مع السحاب
والصفقات المليونية تتنقل بين الأيدي كما تتنقل الفراشات بين الأزهار
جلس أحمد على مكتبه بلباس انيق يقلّب في جواله ينتظر ذاك الاتصال الذي سيغير حياته إنه الوسيط العقاري الحالم الذي يضع قدميه على أعتاب الثراء السريع فهو يعرف أن صفقة واحدة ممكن تفتح له أبواب الثروة والمجد .. أو هذا ما يردده الكثير
عندما دخل أحمد إلى عالم الوساطة العقارية حداه ذاك الشعور الخادع بأنك على وشك أن تصبح المليونير المقبل في كل اجتماع مع عميل مع كل مكالمة هاتفية يشعر أن الصفقة التي ستغير حياته على بعد خطوة واحدة فقط تبدأ الأحلام تتراءى له .. قصر فاخر .. سيارة رياضية تلمع تحت أشعة الشمس .. وابتسامة رضا عن نفسه وهو يشاهد حسابه البنكي يمتلئ بالأرقام الكبيرة والأصفار الكثيرة
بدأ أحمد يلاحق الصفقة الكبيرة هذي اللي تجيك مرة في العمر
وصار يتنقل كل يوم بين عروض البيع والشراء الفخمة (مرة برج ومرة ارض خام ومرة فندق في مكة) التي تم إرسالها في أحد القروبات
وصفة المرسل (مباشر وكيل الوكيل)
ويجتهد وياخذ ويرد على المكالمات ويرسل الرسائل وكله أمل بأنها الصفقة القادمة هي اللي بتنقله من شخص يكافح لدفع الفواتير إلى رجل أعمال ناجح يظهر في المجلات الاقتصادية
يتذكر أحمد يوم أقنعه زميله بأن السوق العقاري هو الكنز الدفين
كل ما عليك بس انك تكون حلقة في سلسلة ولو طالت في بيع هالعروض الكبيرة وبتكون الثروة بين يديك
بدا الأمر بسيط مرة في البداية عمولة صغيرة من هنا وأخرى من هناك حتى تتجمع لديك تلك الثروة الموعودة ولكن مع مرور الأيام اكتشف أن هذه الثروة الموعودة تشبه إلى حد كبير سراب الصحراء الذي يظهر في الأفق ليختفي بمجرد الاقتراب منه !!
تمر الأسابيع والشهور على صديقنا أحمد وتبدأ الأمور تتضح ..
الصفقات ليست كما تبدو في الإعلانات اللامعة التي تراها على مواقع العقارات فبعد العديد من اللقاءات والمكالمات والتفاوض لقى نفسه يطارد الزبائن أو يحاول إقناع عميل متردد أو بتعامل مع مستثمر متطلب انتابه الشعور بأن أحلام الثراء السريع تتبخر شيئًا فشيئًا
وتتحول إلى سباق طويل من الاجتهاد والصبر
حتى أصبح الحصول على عمولة جيدة أشبه بالفوز بميدالية ذهبية في سباق ماراثون
أنت الآن في مواجهة الواقع السوق مليء بالتحديات والمنافسة شرسة والصفقات الكبرى ليست سهلة كما كان يخيل لك في البداية
وهنا جا السؤال اللي بدأ أحمد يردده بعد كل تعب :
هل سأصل إلى تلك الصفقة الذهبية التي حلمت بها ؟ وهل حقًا الثراء السريع متاح للوسطاء العقاريين ؟
هنا يجي الدرس الكبير
الوسيط العقاري اللي يعتقد أن النجاح يجي بسهولة وسرعة يكتشف أن العقارات ليست تذكرة سريعة إلى الثراء بل هي مهنة تعتمد على الاجتهاد والالتزام وتكوين العلاقات وبناء السمعة الوسطاء الأكثر نجاحًا ليسوا بالضرورة أولئك الذين يطاردون أحلام الثراء السريع
بل أولئك الذين يعرفون أن كل صفقة هي خطوة صغيرة نحو تحقيق النجاح المستدام ومع ذلك لا يزال هناك شيء ساحر في عالم العقارات يجذبك للبقاء إنه الأمل المستمر تلك الشرارة التي تجعلك تستيقظ كل صباح وتبدأ يومك وكأن الصفقة التالية ستكون هي التذكرة الذهبية
يجب تعلم أن الطريق طويل وأنه يتطلب الكثير من المثابرة ولكنك تبقى مؤمنًا بأن المكافأة في النهاية تستحق
وبينما يستمر أحمد في رحلته تبقى ابتسامته الواثقة تلك هي العلامة الفارقة ومع كل عميل جديد وكل صفقة ممكنة
يكمن الحلم الذي لن يتخلى عنه
حتى وإن طال الأمد