في زاوية هادئة
من ضاحية لبن الشرقي في العاصمة العظيمة تقف فيلا بسيطة بجدرانها الحجر وحديقتها الصغيرة على شارعها العشرين الفسيح
تسكنها الجدة عواطف سيدة تجاوزت السبعين من عمرها تحمل في قلبها عبق الزمن الجميل وطيبة لا تعرف الحدود في شقة بالطابق العلوي من الفيلا
يستأجر صالح (اليتيم) شاب طموح في بداية حياته العملية منذ خمس سنوات يدفع سنوي إيجار 24 ألف ريال لم يتمدد مع تمدد أسعار الإيجارات المخيفة في الحي مع مرور السنين
كانت العلاقة بين الجدة عواطف وصالح تتجاوز عقد الإيجار كان يراها كأم ثانية وهي تراه كابن لم تنجبه وترفض أي حديث مع أبناءها عن زيادة الإيجار عليه رغم أن أسعار العقارات في الحي ارتفعت بشكل ملحوظ
كانت تقول له دائمًا :
“يا ولدي ما أحتاج أكثر من رضا الله ودعواتك الإيجار يكفيني”
صالح بدوره كان يحدث أصدقاءه بفخر :
“أسكن عند الجدة عواطف إنسانة من زمن الخير لم ترفع علي الإيجار رغم كل التغيرات ”
كان يشعر بالسعادة والامتنان مؤمنًا أنه وجد في الجدة عواطف
نعمة تفوق كل التوقعات وفي مساء يوم هادئ وبينما كان صالح (يتفنجل) من دلته على شرفة شقته الصغيرة طُرق الباب !!
كانت الجدة عواطف تقف هناك بابتسامتها المألوفة تحمل ظرف صغير مكتوب عليه
(الإيجار الجديد)
“يا ولدي أبغاك تشوف شيء جديد بخصوص الإيجار ”
ارتبك صالح
لكنه أخذ الظرف بيده وفتح الورقة بداخله
وهو يقول :
“يا خالة ! قلتي إنك
ماراح ترفعين علي الإيجار ! ”
قالها صالح وهو مصدوم
ويحاول يستوعب الموقف
الجدة عواطف
بابتسامتها الحكيمة قالت له :
“اصبر يا ولدي
كمل قراءة الورقة ”
نظر صالح مرة أخرى إلى الورقة
ليكتشف أن الزيادة لم تكن مبلغًا ماليًا
بل كانت مكتوبة
بخط الجدة المتعرج الجميل :
“الزيادة أبغاها في دعواتك لي بالصحة والعافية
والإيجار ثابت كما هو ”
نظر صالح إلى الجدة بدهشة
قبل أن تغلبه ضحكة خفيفة
ممزوجة بالارتياح
“يا خالة
جعل الله كل أيامك سعادة
خوفتيني والله ! ”
ردت الجدة بابتسامة :
“يا ولدي
أردت فقط أن أذكرك أن ما أريده منك هو الوفاء والدعاء”
كانت هذه المفاجأة البسيطة درسًا جديدًا لصالح
بل وللحي بأكمله
بات الجيران يتحدثون عن الجدة عواطف ويقولون ليت المؤجرين كلهم مثل الجدة عواطف
وأثبتت الجدة أن الكرم الحقيقي هو ما يُزرع في القلوب لا في الجيوب
في تلك الفيلا المتواضعة
في ضاحية لبن الشرقي
لم تكن زيادة الإيجار
مجرد أرقام تُكتب على ورق
بل كانت
دعوة للتأمل في معنى العطاء الحقيقي
الجدة عواطف
أثبتت أن أعظم الثروات ليس المال
بل القدرة على نشر الحب والإنسانية في عالم يزداد صخبا وطمعا
أما صالح
فقد بقي وفيًا
يدعو كل يوم
ويردد لأصدقائه ..
قصة فخره بالجدة عواطف 👍